سورة المائدة - تفسير تفسير القشيري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (المائدة)


        


لما علموا أن الحَسَنَ من أفعالهم ما ورد به الأمر وحصل فيه الإذن تعرَّفوا ذلك من تفصيل الشرع، فقال: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ} ثم قال: {قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ} وهو الحلال الذي تحصل من تناوله طيبةُ القلوب فإنَّ أَكْلَ الحرام يُوجِبُ قسوة القلب، والوحشةُ مقرونةُ بقسوةِ القلبِ، وضياءُ القلوب وطِيبُ الأوقات متصلٌ بصَوْن الخُلُق عن تناول الحرام والشبهات.
وقوله: {وَمَا عَلَّمْتُم مِّنَ الجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ}: ولمَّا كان الكلب المُعَلَّمَ تركَ حظَّه، وأمسك ما اصطاده على صاحبه حلت فريسته، وجاز اقتناؤه، واستغرق في ذلك حكم خساسته فكذلك مَنْ كانت أعماله وأحواله لله- سبحانه مختصة، ولا يشوبها حظ تَجِلُّ رتبتُه وتعلو حالته.
ويقال حُسْنُ الأدب يُلْحِقُ الأَخِسَّة برتبة الأكابر، وسوء الأدب يَرُدُّ الأعِزَّة إلى حالة الأصاغر.
ثم قال: {وَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْهِ}: بيَّن أنَّ الأكلَ- على الغفلة- غير مَرْضِيٍّ عنه (في القيمة).
{وَاتَّقُوا اللهَ إنَّ اللهَ سَرِيعُ الحِسَابِ} بحيث لا يشغله شأنٌ عن شأنٍ، وسريعُ الحساب- اليومَ- مع الأحباب والأولياء، فهم لا يُسَامَحون في الخطوة ولا في اللحظة، معجَّلٌ حسابُهم، مُضَاعَفٌ- في الوقتِ- ثوابُهم وعقابُهم.


ليس الطَّيِّبُ ما تستطيبه النفوس، ولكن الطيب ما يوجد فيه رضاء الحق- سبحانه- فتوجد عند ذلك راحةُ القلوب.
{وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ}: القَدْرُ الذي بيننا وبينهم من الوفاق في إثبات الربوبية لم يَعْرَ من أثرٍ في القربة فقال الله تعالى: {وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُم مَّوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى} [المائدة: 82].
وكذلك الأمر في المحصنات من نسائهم. وأُحِلَّ الطعامُ والذبيحةُ بيننا وبينهم من الوجهين فيحلّ لنا أكل ذبائحهم، ويجوز لنا أن نطعمهم من ذبائحنا، ولكن التزوج بنسائهم يجوز لنا، ولا يجوز تزوجهم بنسائنا لأن الإسلام يعلو ولا يُعْلَى.
ثم قال: {مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ} يعني إنهم وإن كانوا كفاراً فلا تجب صحبتهن بغير نكاح تعظيماً لأمرِ السِّفاح، وتنبيهاً على وجوب مراعاة الأمر من الحق. وكذلك {وَلاَ مُتَّخِذِى أَخْدَانٍ} لأنه إذا لم يجز تعلق قلبك بالمؤمنين على وجه المخادنة فمتى يسلم ذلك مع الكفار الذين هم الأعداء؟


قوله جلّ ذكره: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ فَاغْسِلُوا وَجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى المَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الكَعْبَيْنِ}.
كما أنَّ في الشريعة لا تصحُّ الصلاةُ بغيرِ الطهور فلا تصحُّ- في الحقيقة- بغير طهور.
وكما أن للظاهر طهارةً فللسرائر أيضاً طهارة، وطهارةُ الأبدان بماء السماء أي المطر، وطهارة القلوب بماء الندم والخجل، ثم بماء الحياء والوجل.
وكما يجب غسلُ الوجهِ عند القيام إلى الصلاة يجب- في بيان الإشارة- صيانة الوجه عن التبذُّل للأشكال عن طلب خسائس الأعراض.
وكما يجب غسلُ اليدين في اليدين في الطهارة يجب قصرهما عن الحرام والشبهة.
وكما يجب مسحُ الرأس يجب صونه عن التواضع والخفض لكل أحد.
وكما يجب غسل الرِجْلين في الطهارة يجب صونهما في الطهارة الباطنة عن التنقل فيما لا يجوز.
قوله جلّ ذكره: {وَإِن كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُمْ مِّنَ الغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ}.
كما يقتضي غسل جميع البدن في الطهارة، كذلك في الطهارة الباطنة ما يوجب الاستقصاء؛ وذلك عندما تقع للمريد فَتْرةٌ فيقوم بتجديد عقدٍ، وتأكيد عهد، والتزام عزامة، وتسليم وقتٍ، واستدامة ندامة، واستشعار خجل.
وكما أنه إذا لم يجد المتطهرُ الماءَ فَفَرْضُه التَّيَمُمْ فكذلك إذا لم يجد المريد مَنْ يفيض عليه صَوْبَ همته، ويغسله ببركات إشارته، ويعينه بما يؤوب به من زيادة حالته- اشتغل بما تيسَّر له من اقتفاء آثارهم، والاستراحة إلى ما يجد من سالف سِيَرِهِم، وما ورد من حكاياتهم.
وكما أن فرض التيمم على الشطر والنقصان فكذلك المطالبات على إصفاء هذه الحالة تكون أخف لأنه وقت الفترة وزمان الضعف.
قوله جلّ ذكره: {مَا يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ}.
وتلوح من هذه الجملة الإشارة إلى أنه إذا بقي المريد عن أحكام الإرادة فلْيَحْطُطْ رِجْلَه بساحات العبادة، فإذا عَدِمَ اللطائف في سرائره فَلْيَسْتَدِمْ الوظائف على ظاهره، وإذا لم يتحقَّقْ بأحكام الحقيقة فليتخلق بآداب الشريعة، وإن لم يتحرج عن تَرْكِه الفضيلة فلا يدنسْ تصرفه بالحرام والشبهة.
قوله جلّ ذكره: {وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ}.
أي يظهر ظواهركم عن الزلة بعصمته، ويظهر قلوبكم عن الغفلة برحمته.
ويقال يطهر سرائركم عن ملاحظة الأشكال، ويطهر ظواهركم عن الوقوع في شِباك الأشغال.
ويقال يطهر عقائدكم عن أن تتوهموا تدنُّسَ المقادير بالأعلال.
قوله جلّ ذكره: {وَلِيُتِمَّ نَعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}.
إتمام النعمة على قومٍ بنجاة نفوسهم، وعلى آخرين بنجاتهم عن نفوسهم، وشتَّان بين قوم وقوم!.
ويقال إتمام النعمة في وفاء العاقبة؛ فإذا خرج من الدنيا على وصف العرفان والإيمان فقد تَمتْ سعادته، وصَفَتْ نعمته.
ويقال إتمام النعمة في شهود المنعِم؛ فإنَّ وجودَ النعمة لكل أحد ولكنَّ إتمامَها في شهود المنعِم.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8