لما علموا أن الحَسَنَ من أفعالهم ما ورد به الأمر وحصل فيه الإذن تعرَّفوا ذلك من تفصيل الشرع، فقال: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ} ثم قال: {قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ} وهو الحلال الذي تحصل من تناوله طيبةُ القلوب فإنَّ أَكْلَ الحرام يُوجِبُ قسوة القلب، والوحشةُ مقرونةُ بقسوةِ القلبِ، وضياءُ القلوب وطِيبُ الأوقات متصلٌ بصَوْن الخُلُق عن تناول الحرام والشبهات.وقوله: {وَمَا عَلَّمْتُم مِّنَ الجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ}: ولمَّا كان الكلب المُعَلَّمَ تركَ حظَّه، وأمسك ما اصطاده على صاحبه حلت فريسته، وجاز اقتناؤه، واستغرق في ذلك حكم خساسته فكذلك مَنْ كانت أعماله وأحواله لله- سبحانه مختصة، ولا يشوبها حظ تَجِلُّ رتبتُه وتعلو حالته.ويقال حُسْنُ الأدب يُلْحِقُ الأَخِسَّة برتبة الأكابر، وسوء الأدب يَرُدُّ الأعِزَّة إلى حالة الأصاغر.ثم قال: {وَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْهِ}: بيَّن أنَّ الأكلَ- على الغفلة- غير مَرْضِيٍّ عنه (في القيمة).{وَاتَّقُوا اللهَ إنَّ اللهَ سَرِيعُ الحِسَابِ} بحيث لا يشغله شأنٌ عن شأنٍ، وسريعُ الحساب- اليومَ- مع الأحباب والأولياء، فهم لا يُسَامَحون في الخطوة ولا في اللحظة، معجَّلٌ حسابُهم، مُضَاعَفٌ- في الوقتِ- ثوابُهم وعقابُهم.